تبدو السياسة الأميركية تجاه السودان وما يجري هناك، محكومة بمبدأ يقوم على انتقال السلطة إلى حكومة مدنية، وتسعى واشنطن منفردة ومع باقي الأطراف المنخرطين من الخارج للوصول إلى هذا الهدف وتأمل في الوصول إليه قريباً.
يوم 25 أكتوبر
مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية تحدّث إلى “العربية” و”الحدث”، واعتبر أن ما حدث في 25 أكتوبر الماضي هو استيلاء على السلطة، وأن السياسة الأميركية من حينه “هي إيجاد طريقة للوصول إلى حكومة مدنية انتقالية مقبولة من الناس”. ربما لا يكون هذا التصريح بذاته مفاجئاً للكثيرين من متابعي المواقف الأميركية من التغييرات السياسية في بلدان عديدة، حيث إن الولايات المتحدة تضع في صلب سياستها الخارجية التعامل مع حكومات منتخبة، كما ترى أن أي حكم تترأسه شخصية أو منظومة عسكرية هو حكم خارج عن المألوف أو المقبول وتطالب بنقل السلطة إلى المدنيين.
ما هو لافت في الموقف الأميركي من قضية السودان هو أن المسؤول الكبير في وزارة الخارجية، والذي طلب عدم نشر اسمه، قال في تصريحاته لـ”العربية” و”الحدث”، إن الأميركيين لا يرون “أن حكومة يقودها العسكريون قادرة على الاستمرار في خدمة مصالح المنطقة أو مصالح الولايات المتحدة”. وأضاف خلال الاتصال الهاتفي مؤكداً “أن انتقالاً ديمقراطياً هو بالفعل ما يطمح إليه شعب السودان، وهذا ما طالب به السودانيون باستمرار منذ العام 2018، وأن الأسرة الدولية بشكل عام تدعم هذا الهدف”.
المدنيون والاستقرار
من خلال هذا التصريح تحاول الولايات المتحدة التأكيد على أن حكم المدنيين هو الضامن الأفضل وربما الوحيد للاستقرار في السودان، كما يضمن حكم المدنيين الاستقرار في المنطقة، ومن خلاله مصالح الولايات المتحدة الأميركية.
ربما يحمل هذا الموقف الأميركي الكثير من التأويل، ويمكن سوق استنتاجات كثيرة منه، مثل من يضمن النفوذ الأميركي في السودان، ومن يضمن إبعاد الصينيين والروس من هذا البلد الشاسع، وهل هم المدنيون أم العسكريون؟
حقيقة ما يجب فهمه من الموقف الأميركي هذا، لا يرتبط بالسودان ولا بصراعات القوى الدولية على التمدّد في المنطقة، بل يرتبط أكثر من أي شيء آخر بتمسّك الأميركيين عموماً والحكومة الأميركية، خصوصاً بمبدأ أن الحكم الديمقراطي في بلد ما يضمن الاستقرار السياسي ويحفظ حقوق الإنسان، ويساعد على النمو الاقتصادي، كما يعتبرون أن أي واجهة عسكرية أو حكم غير مدني لا يضمن هذا الاستقرار.
هواجس الحكم السابق
وفي حالة السودان، يعبّر الأميركيون عن قلق خاص يتعلّق بسنوات حكم عمر البشير، وقال المسؤول الكبير في وزارة الخارجية لـ”العربية” و”الحدث”، إن السودان “لديه تاريخ بأن يتطوّع لإعارة ذاته لإمكانية استغلال أراضيه من قبل الخارج للقيام بأعمال سيئة”. وأضاف “إننا قلقون جداً من الإرهابيين الدوليين ونشاطاتهم انطلاقاً من السودان، ونحن نراقب الوضع عن كثب”.
لا يخوض الأميركيون كثيراً في معلومات استخبارية ويكتفون بالتلميح إلى هذه المخاطر، ما يدفع المستمع إلى المسؤولين الأميركيين لأخذ مخاوفهم بقدر ما يفصحون عنها، وهم يريدون أن تضبط أي سلطة في السودان الأمن على أراضيها، وتتمكن من مكافحة أي توجهات متطرفة أو أي خرق من قبل شبكات دولية مثل القاعدة وداعش.
المسؤول في وزارة الخارجية أشار خلال حديثه إلى “العربية” و”الحدث” إلى أن الكثير من التقدم تم إنجازه في ظل الحكومة المدنية لجهة اقتلاع عناصر “حزب المؤتمر الوطني” وبنيته، لكنه أضاف “أنا قلق جدا”. وأشار إلى أن “عناصر من حزب المؤتمر الوطني عادوا للظهور، وأعتقد أن هذا الأمر يسبب مشكلة كبيرة”، وربط ذلك بالقول إن حزب المؤتمر الوطني لديه تاريخ في هذا الموضوع.
الثقة الصعبة
من الواضح أن الأميركيين لديهم أسباب كثيرة للقلق، ويشيرون إلى مآخذ عديدة على المجلس السيادي والقيادة العسكرية في السودان، وربما أصبحوا أيضاً في وقت يشعرون فيه أن عليهم العمل مع المجلس السيادي برئاسة الفريق عبدالفتاح البرهان، لكنهم لا يثقون بإمكانية الوصول إلى نتائج يريدونها.
وقال المسؤول في وزارة الخارجية الأميركية “إنه خلال الحوارات التي أجريتها مع قادة مهمّين في السودان قالوا لي وقالوا أيضاً لمسؤولين أميركيين كبار، إن رغبتهم هي تسليم السلطة إلى حكومة مدنية”. وأضاف “أرجو أن تكون نيتهم صادقة.. أرجو أن تكون حقيقية”. وشدد على ضرورة أن تكون صادقة وحقيقية، ملمّحاً إلى أن السودانيين لن يقبلوا بنظام عسكري في السلطة لمدة طويلة.
وشدّد المسؤول في وزارة الخارجية الأميركية على تسليم السلطة، واعتبر الأمر ضرورياً، و”أن من وجهة نظر الولايات المتحدة لا نعتقد أن الاستقرار ممكن في السودان في غياب حكومة مدنية وبدون انتقال ديمقراطي”.
وأعاد إلى ذاكرة ما حدث أيام عمر حسن البشير لعقود طويلة، محذرا من أن الأمر سيتكرر في المستقبل بظل حكومة عسكرية.
من الواضح أن الأميركيين يضعون على أنفسهم وعلى سياستهم شروطا عديدة لا تسمح لهم بالكثير من المرونة أو المناورة، كما أنهم يحاولون وضع شروط على مجلس السيادة في السودان، وسيتابعون حرمان السودان من أموال المساعدات الأميركية إلى أن تتشكل “حكومة مدنية ذات مصداقية”.
التعليقات