فقد جلس سائحان سويسريان في أحد مقاهي إحدى ساحات المدينة الرئيسية، ساحة “تريستي إي ترينتو” (Piazza Trieste e Trento)، لتناول مشروب قبل حلول منتصف ليل الأحد، حين اقترب منهما شاب، موجهًا مسدسًا نحو رأس أحدهما، ومنتزعًا ساعة يد الضحية، ثم يتوارى عن الأنظار.
لكن، بعد سبع دقائق، توجه إليهما شاب آخر، رافعًا يديه في بادرة اعتذار، متأسفًا، وأعاد الساعة إلى صاحبها.
والتُقطت هذه المشاهد المثيرة للعجب بواسطة كاميرا المراقبة الخاصة بمقهى Monidee Café، حيث كان يجلس السائحان.
وتقع ساحة “تريستي إي ترينتو” في قلب نابولي، التي تضم القصر الملكي ودار الأوبرا “تياترو سان كارلو”.
وتشتهر الساحة، التي تؤدي إلى ساحة ديل بليبيتشيتو (Piazza del Plebiscito) الشهيرة وتطل على حي شيايا الراقي، بمقاهيها وحاناتها، حيث يتدفق السياح إلى مقهى Caffè Gambrinus التاريخي.
ولطالما عانت نابولي من سوء سمعتها، ورغم أنها تعيش ازدهارًا على مستوى السياحة، إلا أنّ سلسلة سرقات الساعات التي سُجّلت هذا الصيف دفعت بأحد مديري السياحة إلى اقتراح تقديم الفنادق ساعات بلاستيكية للزوار، لارتدائها بدلًا من ساعاتهم الأصلية.
وتُظهر لقطات كاميرا المراقبة، سائحان سويسريان يجلسان في منطقة خارجية مزدحمة من حانة المقهى، فيما يمشي السياح على الرصيف المزدحم، وبينهم شاب يرتدي قميصًا وسروالًا قصيرًا.
وفي الوقت الذي يعود فيه النادل إلى الداخل بعدما زوّدهما بقائمة الطعام، شوهد الشاب يسير بمحاذاة منطقة الجلوس المحدّدة، ثم يدخل من الساحة باتجاههما.
ويسحب الشاب مسدسًا ويوجهه إلى رأس أحدهما، بينما ينتزع الساعة من الأخير.
انتهى الحادث في ثوانٍ، وبدا السائحان بحالة صدمة وهما يشرحان ما حدث للنادل.
لكن المشاهد اللاحقة، التي التقطت بعد سبع دقائق فقط من الحادث، تُظهر شابًا آخر يرتدي قميصًا أبيض يقترب من السائحين اللذين عزما على البقاء وإنهاء المشروب، ملوّحًا بذراعيه لتبيان أنه أعزل، ويعيد إليهما الساعة.
ما السبب؟ أنها مزيّفة، وليست ساعة يد من العلامة التجارية السويسرية لصنع الساعات الفاخرة “ريتشارد ميل”، التي لا تقدر بثمن.
لكن بدلاً من كونها لفتة حسن النية، قال صاحب المقهى الشريك أنطونيو فيسكونتي، إنه يرجح أن تكون محاولة من السارق ليتجنب المساءلة القانونية. وأوضح لـCNN أنّه “أعادها قائلًا: آسف، آسف.. ربما كمحاولة لإقناعه بعدم الإبلاغ عن زميله”.
عنف بعد حلول الظلام
لو كانت الساعة أصلية، لكان ربح اللص الجائزة الكبرى.
من جانبه، أوضح فرانشيسكو بوريلي، عضو مجلس منطقة كامبانيا في حزب أوروبا فيردي، الذي يقود حملات مناهضة للجريمة في نابولي، لـCNN، أن اللصوص “اعتقدوا أن قيمتها تساوي 300 ألف يورو”.
Rapina ad un turista svizzero ad un caffè di Piazza Trieste e Trento: pistola alla testa per portargli via l’orologio e poi glielo riconsegnano perché vale poco. La denuncia dei titolari del locale:”Tutto questo in centro città. Serve un presidio costante delle forze dell’ordine” https://t.co/aKRU1yKg39
وأشار بوريلي إلى أن الساحة باتت مركزًا للنشاط الإجرامي منذ بعض الوقت.
وفي عام 2019، اعتمدت المافيا المعروفة باسم “Stesa” أسلوب ترويع، بموجبه يطلق المراهقون النار في الهواء. وفي حادثة سابقة وقعت عام 2018، كان المجرمون الصغار يتنقّلون مسلّحين وسط الحشود، لإطلاق النار على مجرم آخر، وفق ما ذكره بوريلي.
وأضاف: “قبل بضعة أسابيع شاركتُ مقطع فيديو لشخص يصور نفسه على منصة تيك توك يسبح في النافورة. وفي المساء، كيف تحولت الساحة إلى موقف سيارات غير قانوني”.
وقام بوريلي بالإبلاغ عن المشاكل التي تشهدها تلك الساحة منذ فترة، لكن ما من رقابة، رغم أن الساحة تبعد أمتارًا قليلة عن المحافظة، ومقر الجيش، وتعتبر بين ساحات المدينة الأكثر حذبًا للسياح.
ولفت بوريلي إلى أن اللصوص تسرق الساعات “لإعادة بيعها على الفور، لكن الأشخاص الذين يشترونها يتقنون عملهم، وأدركوا فورًا أنها ليست أصلية”.
وأضاف أن اللصوص أرسلوا مراهقًا آخر لإعادة الساعة، لأنهم يعرفون أن محيط المقهى مزود بكاميرا مراقبة تلفزيونية، ويعلمون أن الحادث قد سُجّل.
“دعاية سيئة لنابولي”
من جانبه، أعرب أنطونيو فيسكونتي، الشريك المالك لمقهى Monidee Café، حيث وقع الحادث، والذي أرسل لبوريلي لقطات كاميرات المراقبة التي توثق حادثة السرقة، في محاولة للفت الانتباه إلى ما يحدث في الساحة، أنه “يشعر بالأسف” بشأن الحادث.
وقال لـCNN: “الأمر لا يتعلق فقط بعملنا، إن ما يجري دعاية سيئة لنابولي”.
وصباح الخميس، انضم فيسكونتي وبوريلي إلى تجمع أقيم في الساحة احتجاجًا على “الانحطاط والإجرام” الذي يشهده المكان.
وطالب المستنكرون بوجود دورية ثابتة للشرطة، بالإضافة إلى تشغيل كاميرات المراقبة في الساحة بعد الساعة 11 مساء، وخلال عطلة نهاية الأسبوع.
والتقى فيسكونتي وآخرون مع حاكم نابولي، الذي شاركهم المخطط لتأمين الساحة، رغم أنه قال إن مجلس المدينة لم يظهر حماسة كبيرة لذلك.
ولم يرد مجلس المدينة على طلب CNN التعليق.
ولفت فيسكونتي إلى أن السائح السويسري الذي تعرّض للسرقة لم يكن خائفًا، إذ بالإضافة لبقائه مع صديقه لتناول المشروب، وصف ما جرى بالـ”مغامرة الرائعة”.
التعليقات