وقد شهدت جدران مقهى “ريش”، القريب من ميدان طلعت حرب، على العديد من الندوات، والصالونات الثقافية والسياسية، التي حضرها أشهر مثقفي مصر، من طه حسين إلى نجيب محفوظ، وفقًا لموقع وزارة التخطيط والمتابعة والإصلاح الإداري في مصر.
ولم يكن مقهى ريش عاديًا، إذ وُصف بأنه “ملتقى الأفندية من الطبقة الوسطى”، كما عُرف كـ”مقر يجتمع فيه دعاة الثورة، والمتحدثون بشؤونها أو شؤون البلاد العامة”.
وعلى مسرحه، حيث أقيمت العديد من الحفلات الموسيقية والغنائية والفنية الشرقية، وقفت “كوكب الشرق”، أم كلثوم، عام 1923، آتيةً حينذاك من قريتها. والجدير بالذكر أنّ أصحاب المقهى لا يزالون يحتفظون بإعلان جريدة صادرة في مايو/ أيار عام 1923 يقول: “تياترو كافيه ريش تطرب الجمهور يوم 31 مايو، بلبلة مصر صاحبة الصوت الرخيم الآنسة أم كلثوم، هلموا واحجزوا محلاتكم من الآن، كرسي مخصوص 15 قرشًا دخول عمومي 10 قروش”.
أما عن تسميته، فقد اكتسب المقهى اسم “ريش” نسبًة إلى أشهر مقاهي العاصمة الفرنسية باريس الذي ما زال قائمًأ إلى يومنا هذا، أي “كافيه ريش”، بعدما اشتراه أحد الرعايا الفرنسيين عام 1914، ويدعى هنري بير، من رجل ألماني مقتدّر.
ولا تزال تتكشف المزيد من خبايا وأسرار هذا المكان، الذي يُعتبر بمثابة منتدى أدبي، وسياسي، وثقافي.
ولطالما أحبت المصرية همسة حفني التجول بشوارع منطقة وسط البلد، حيث كانت تعمل قبل جائحة كورونا، والتحديق بمبانيها، وفقًا لما ذكرته لموقع CNN بالعربية.
وأثناء تجوّلها المتكرّر بشارع طلعت حرب، استوقفها مقهى “ريش”، بطرازه العتيق.
وتتذكر قائلة: “كنت كلما مررت به، أتوقف لألتقط صورًا لواجهته الخارجية فقط؛ لم أكن أعرف آنذاك ما هو، ولكن لاهتمامي الشديد به قررت البحث والإطلاع عنه”.
وبعد التعمّق بتاريخه، ونظرًا لشغفها بتصوير المباني الجذابة بالنسبة إليها، إضافًة لشغفها بالتاريخ والثقافة عمومًا، قرّرت حفني حينها زيارة المقهى لاستكشافه وتوثيق ملامحه من الداخل.
ومن وجهة نظر حفني، تعود أهمية المقهى إلى قيمته التاريخية، إذ تصفه بأنه أشبه بـ”آلة زمنية تعيدك إلى الماضي بمجرد أن تطأ قدمك عتبته الخشبية العتيقة”.
وتوضح حفني سبب اهتمامها بالمقهى قائلة: “بطبيعتنا البشرية، عندما يزداد الصخب بداخلنا وتزداد زحمة الأيام وسرعتها، يخطفنا الحنين إلى الماضي ليشعرنا بأن كل شيء مازال على ما يرام، علاوة على انبهار البشر الدائم بكل ما هو قديم وغامض؛ كلما تقدّمت الآثار والتحف والمجوهرات في العمر كلما زادت قيمتها، كذلك الأمر بالنسبة للأماكن التي زارها المشاهير”.
وتضيف: “لا يمكنك منع نفسك من التفكير بإمكانية أن أن أحد هؤلاء العظماء سبق وجلس إلى الطاولة التي تشغلها الآن، فتظل تتخيل أنه على إحدى تلك الطاولات المحيطة بك كتب نجيب محفوظ بعض رواياته، وهناك جلس الملك فؤاد الأول ورأى الأميرة فوزية لأول مرة كما يُقال، وهنا جلس جمال عبد الناصر مع الضباط الأحرار يخطّطون لثورة يوليو، وفي ذلك القبو طُبعَت منشورات ثورة 1919، وفي تلك الزاوية غنّت أم كلثوم”.
وتتابع: “كل تلك العناصر تجعل من المقهى مكانًا ذات قيمة وأهمية تاريخية يجب الحفاظ عليها والتمسك بطابعها الخاص”.
أما عن أبرز ما وثقته حفني داخل مقهى “ريش”، فإنها أشارت إلى جدرانه المغطاة بصور الأدباء والمفكرين والفنانين أمثال نجيب محفوظ، وطه حسين، وعباس العقاد، وتوفيق الحكيم، وصلاح جاهين، إضافة إلى أم كلثوم، ومنيرة المهدية، ورشدي أباظة، وإسماعيل ياسين، وأنور وجدي، وغيرهم.
ومع ذلك، كان أكثر ما لفت انتباه حفني رسوم الكاريكاتير التي تجسّد شخصيات مهمة على هيئة حيوانات أو طيور، بحسب ما ذكرته.
وتشرح أن هناك، على سبيل المثال، رسمة لوجه الكاتب يوسف السباعي تجسد كلب البحر، وأخرى للمفكر لطفي السيد تجسد نسر، وصورة للشاعر إبراهيم ناجي تجسد سنجاب، وأخرى للفنان سليمان نجيب تجسد ببغاء.
وتعرب حفني عن عدم فهمها للمعنى الذي ترمز إليه تلك الرسوم، مشيرًة إلى أنها تعتقد أن لها “دلالة ساخرة على شخصية أو عمل كل من تلك الشخصيات”.
وتضيف: “قد أذهب مرة أخرى قريبًا لزيارة المقهى واسأل أحد العاملين هناك عن معناها”.
أما عن الأجواء داخل المقهى، فأوضحت حفني أن هناك أجواء من الهدوء والراحة النفسية يمكن أن يشعر بها الزائر، وكأن الزمن توقف في حقبة زمنية قديمة، على حد تعبيرها.
وحرصت حفني خلال زيارتها للمقهى التاريخي على توثيق كافة جوانبه، خصوصًا الجزء الأكثر تميّزًا به، أي جدران الصالون الثقافي المعلّقة عليها الصور التذكارية للفنانين والمثقفين وسواهم من الشخصيات التاريخية الذين ارتادوا المقهى في زمن مضى.
كما حرصت على توثيق بيانو قديم يشغل إحدى زوايا المقهى وُضعت عليه بعض التماثيل المنحوتة بالإضافة إلى تحف قديمة تعود إلى القرن الماضي.
وتنصح حفني من يرغب بزيارة هذا المكان الفريد من نوعه بالقاهرة الإطّلاع على تاريخه، قائلة: “لا أعتقد أنّ هناك مقهى آخر يبعث على الشعور ذاته، ولا يوجد مكان أخر يمتلك مثل هذا التصميم العتيق أو الطابع التاريخي الفريد”.
التعليقات