“لأ اتحدث الإنجليزية جيدًا .. ولكنني أشكر عائلتي ومنتجي وأهدي هذه الجائزة لبلدي مصر”
بكلمات قصيرة مقتضبة مرتبكة إلى حد ما وقف عمرو دياب لأول فوق مسرح موناكو ليتسلم جائزة الموسيقى العالمية “وورلد ميوزيك أوورد” عن أغنيته “نور العين” الأعلى مبيعًا في الشرق الأوسط ، لامس عمرو سماء العالمية وأصبح نجمًا من نجومها، وصل بصوته إلى مقاهي الشانزليزيه، والنوادي الليلية في مدريد، عبر بصوته البحر الذي وقف على شواطئه في بورسعيد يومًا ما متسائلًا : ياترى هقدر.
صخب حصول عمرو دياب على الجائزة الموسيقية الأهم وقتها لم يتوقف، احتفى به التليفزيون المصري في سهرة خاصة لعرض الحفل بعد عودته من موناكو ، حلقة مازالت محفورة في ذاكرة جمهوره ، قدمها ابراهيم الكرداني وشاركه فيها عمار الشريعي ويسرا ، في المقابل انقسمت الصحافة بين محتفي بانجازه الفني ، وتيار آخر اتهمه بشراء الجائزة ، كثيرون من زملاء المهنة وعلى رأسهم محمد فؤاد روجوا لذلك في حواراتهم الصحفية ، بعضهم ذهب لأبعد من ذلك وقال أن الجائزة عُرضت عليه مقابل مليون دولار ورفض!
تحول عمرو دياب من نجم الشباب إلى المطرب العالمي ، حلق بأجنحة طموحه لأبعد مما ظن البعض ، خاض تجربه طرح نسخ من “نور العين” بالانجليزية تحت مسمى ” حبيبي” ولكنها لم تحقق النجاح المتوقع ، خاصة وأن الأغنية الأصلية كانت قد انتشرت بموسيقاها الإسبانية وإيقاعاتها التي تخاطب أذن المستمع الغربي ، مدعومة بشغف الغرب لسماع صوت عربي ذو ثقافة فرانكفونية في تجربة تشبه إلى حد كبير نجاح الشاب خالد بـ”ديدي”.
نور العين “النسخة الانجليزية”
المحلية في مواجهة العالمية
على الجانب الآخر نجح المنتج نصر محروس في التعاقد مع محمد فؤاد كنجم شباك أول في شركته “فري ميوزيك” ، نصر محروس صانع مشاريع موسيقية ، منتج مغامر ، له رؤية ووجهة نظر لاتخيب خاصة في مخاطبة ذوق الجمهور، كان فؤاد في حاجة لتجربة تدفعه للوقوف إلى جوار طوفان “نور العين” ، تجربة تنجح به بعيدًا عن “معركة” العالمية ، ولكنها تمهد له أرض شعبوية محلية تجعله صوت الشارع ، الأقرب لشجن المصريين ، وكانت الإنطلاقة في ألبوم “حيران” .
شرقية مفرطة .. هي السمة الغالبة على الألبوم ، أغنيات في إطار المقسوم الشرقي وحكايات الحب والشوق والهجر مثل “هنساك”، “منه ياليالي” ، “علمناك”، “دمعتين”.
كانت تجربة “حيران” تشبه صوت وملامح محمد فؤاد ، بل إنها التجربة الأقرب لشخصيته الفنية من وجهة نظري ، حتى كليب “فاكرك ياناسيني” جاء بسيطًا رومانسيًا مثل حكايات الحب البريئة بين تلاميذ الثانوية ، وأخرجته ساندرا نشأت في تجربة أقرب للفيلم القصير .
نجاح “حيران” الساحق تزامن مع تصوير محمد فؤاد لفيلمه الجديد “اسماعيلية رايح جاي” مع محمد هنيدي ، وخالد النبوي ، وحنان ترك ،صحيح أن الفيلم واجه صعوبات انتاجية وتوقف تصويره لفترة طويلة ، إلى أن دخل المنتج والموزع محمد حسن رمزي لينقذ الموقف ويكمل انتاج الفيلم ويتولى توزيعه ، رأي رمزي أن هذه التجربة الشابة ستنجح في لحظة تحتاج فيها السينما لدماء جديدة تنعش شرايينها .
عُرض “اسماعيلية رايح جاي” وحقق نجاحا كاسحًا أقرب إلى ثورة على كل قواعد السينما المصرية ، حقق أعلى إيرادات في التاريخ وقتها ، وأسس لموجة المضحكين الجدد التي قادها محمد هنيدي ، وتصدرت أغنية “كامننا” المشهد وكأنها التهمت الأخضر واليابس ، حتى أن عمرو دياب غناها مع محمد فؤاد في أحد الأفراح .
لاشك أن قمة المنافسة بين عمرو دياب ومحمد فؤاد كانت في الفترة مابين 1996 وحتى 1999 ، ثلاث سنوات تقدم فيهم محمد فؤاد المشهد ، ألبومات ناجحة مع نصر محروس مثل حيران و الحب الحقيقي ، ونجاح سينمائي في “اسماعيلية رايح جاي” ، ودعم اعلامي كبير في فترة ابتعد فيها عمرو عن الظهور الصحفي والاعلامي واقتصر ظهوره الاعلامي على برنامج “سر التفوق” لممدوح موسى مرة واحدة في العام.
استمر نجاح فؤاد مع نصر محروس في ألبوم “الحب الحقيقي” ، بنفس فريق عمل ألبوم “حيران” ، وقدم نصر محروس نفسه مخرج لأول مرة في كليب “الحب الحقيقي” ، بينما كان عمرو دياب يواجه اشكالية كبرى عنوانها : ماذا بعد نجاح نور العين؟
لأول مرة يتأخر صدور ألبوم عمرو دياب ، كسر القاعدة ولم يطرح ألبوما في صيف 1997 ، تجارب ومحاولات وتأجيل وقلق، تحول نجاح “نور العين” إلى حاجز أمام خطوته التالية ، بينما دفعته بعض الخلافات التعاقدية بينه وبين منتجه السابق نصيف قزمان للوصول لصيغة شراكة بين صوت الدلتا وعالم الفن لانتاج ألبومه التالي ، والذي استقر على اسمه “عودوني” .
تجربة “عودوني” كانت مميزة موسيقيًا ، قدم حميد الشاعري كموزع أفضل أفكاره وأكثرها تطورًا ، خاصة في المزيج الموسيقي المدهش بين الإيقاع النوبي والتركي والخليجي والـ”آر ان بي صول” في أغنية “عودوني”، وقدم في الألبوم أيضًا أغنية “كل الكلام” التي كانت أقرب إلى محاكاة موسيقية لأغنية رشيد طه “يارايح”.
وصور عمرو “عودوني” مع طارق العريان في معبد فيلة بأسوان ، ولكن الصحافة لم تقتنع ورأت أن عودوني خطوة للوراء ولم تحقق نصف نجاح “نور العين”، وهذا فيه شيء من الحقيقة، فعودوني لم تحقق نفس نجاح نور العين، إلا أنها لم تفشل، وربما كان هذا الإحساس سببه أننا بشكل عام نرفض تكرار النجاح ونتحفز تجاه أي تجربة تالية لنجاح ساحق.
لم يصمت عمرو دياب بالطبع، ورأى أن الخطوة القادمة لابد أن تكون أكثر ذكاء، خطوة تقتطع جزءا نجاح محمد فؤاد في السينما ، ولامانع ان تكون بمشاركته هو شخصيا ، ولا مانع أيضًا أن يصاحبها ضجة إعلامية كبرى ، ما الشيء الذي ستتحدث عنه الصحافة وستحتفي به دون حسابات معقدة ؟ بالطبع أول فيلم يجمع عمرو دياب ومحمد فؤاد .. حتى لو لم ير النور للآن
لماذا لم ير النور؟ الإجابة في الحلقة القادمة .
اقرأ الحلقات السابقة من سلسلة معارك التسعينات:
معارك التسعينات – حسن الأسمر وحكيم .. سنوات الحرب الباردة على عرش الأغنية الشعبية
معارك التسعينات – عمرو دياب ومحمد فؤاد .. رحلة البحث عن القمة من الكاسيت إلى السينما (1)
معارك التسعينات – عمرو دياب ومحمد فؤاد .. حروب صحفية وشائعات اعتزال في حضرة الشعراوي (2)
التعليقات