[ad_1]
دعا الصحفي والسياسي البريطاني كريس مولين، الغرب إلى إعادة النظر في علاقاته بالإسلام، وإسقاط نظرية المفكر السياسي الأميركي البارز صموئيل هنتنغتون المتعلقة بصدام الحضارات.
وتحدث مولين، «شغل مناصب في عدة حكومات، وكان عضوا في مجلس العموم لـ23 سنة»، في مقال عبر موقع «ميدل إيست آي»، عن أبرز ما جاء في الكتاب الجديد للصحفي البريطاني المخضرم بيتر أوبورن، الذي عمل في صحيفة التلغراف البريطانية لسنوات طويلة واستقال منها في بدايات 2015.
ووفقا لمولين، قال أوبورن في كتابه الجديد، إن التحليل الغربي المعاصر للإسلام تكتنفه أخطاء فكرية وأخلاقية، حيث «يتمثل الخلل الفكري في النظر إلى الإسلام من خلال الحرب الباردة».
وأضاف: «أما الخلل الأخلاقي، فيتمثل في افتراض أن الغرب يخوض صراعاً وجودياً مع الإسلام «أو الإسلاموية»، كما كان حاله من قبل مع الاتحاد السوفياتي».
وخلص أوبورن إلى أنه لا يوجد سبب جوهري لكي تكون الأديان الثلاثة الكبرى في العالم -اليهودية والمسيحية والإسلام- في حرب ضد بعضها البعض. فأتباعها جميعاً يعبدون نفس الإله الذي عبده النبي إبراهيم الذي ورد ذكره في العهد القديم.
وفيما يلي النص الكامل للمقال كما ترجمته «عربي21»:
بيتر أوبورن صحفي مولود من جديد
نشأ، كما يقول، داخل المؤسسة البريطانية الحاكمة، في جزء ثري من المقاطعات الرئيسية، كان والده ضابطاً في الجيش، وكان جده من أبطال الحرب. تلقى تعليماً خاصاً في واحدة من أفضل مدارسنا ثم في كرايست كوليج بجامعة كامبريدج، سلك مساراً متوقعاً في الفترة المبكرة من احترافه للكتابة، حيث عمل مراسلاً سياسياً في معاقل حزب المحافظين مثل صحيفة ذي ديلي ميل وصحيفة ذي تيليغراف ومجلة ذي سبيكتاتور.
إلا أنه بدأ في مرحلة ما أثناء مسيرته يلاحظ أن العالم في واقع الأمر ليس كما كان قد تربى على الاعتقاد به، وبناء عليه بدأ يأخذ منحى مختلفاً.
وأنا متعاطف معه في ذلك.
رغم أنني لا أنحدر من نفس الخلفية كتلك التي ينحدر منها أوبورن، إلا أنني أنا أيضاً ولدت لعائلة تنتمي إلى الطبقة المتوسطة في المقاطعات الرئيسية وتلقيت مثله تعليماً خاصاً. ولكني سلكت طريقي إلى دمشق «لربما كان ذلك هو المصطلح الأنسب إذا ما أخذنا بالاعتبار الموضوع الذي نتحدث عنه ههنا» في وقت أبكر من ذلك.
وحتى في عزلة المدرسة الكاثوليكية الداخلية التي تعلمت فيها، حيث لم يكن لدينا سوى صحيفة ذي تايمز وصحيفة ذي ديلي تليغراف مصدراً نعتمد عليه للحصول على معلومات حول ما يجري في العالم من حولنا، تمكنت من اكتشاف أن ثمة خللاً يعتري الرواية الرسمية للحرب في فيتنام، وتغيرت نظرتي للأمور منذ تلك اللحظة فصاعداً.
سلك أوبورن «طريقه إلى دمشق» في وقت لاحق من حياته. لقد أصبح، وهو الرجل الخلوق الذي يمتلك إدراكاً عميقاً لما هو صواب وما هو خطأ ويتحلى بذكاء ناقد، يجد صعوبة، وبشكل متزايد، في تقبل ما يتعرض له المسلمون من شيطنة فيما بعد الهجمات الإرهابية على البرجين في نيويورك في عام 2001.
في عام 2015 استقال من منصبه المريح ككبير المعلقين السياسيين في صحيفة ذي ديلي تيلغراف، ومنذ ذلك الحين وهو يشق طريقه المستقل.
وكانت ثمرة ذلك هذا العمل البديع الذي يوثق فيه للعلاقات بين الإسلام والغرب.
عمل بديع
تشتمل الفصول الأولى على سرد لتاريخ العلاقات بين المسلمين وثلاث من القوى الامبريالية الكبرى، وهي الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا. حتى منتصف القرن العشرين، كان الاتصال بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي يقتصر على قتال القراصنة البربر وقمع قبائل المورو في الفلبين.
وصل أوائل المسلمين إلى الولايات المتحدة قبل حوالي أربعمائة سنة كعبيد، وحتى هجمات الحادي عشر من سبتمبر ظل تأثيرهم في السياسة والثقافة داخل الولايات المتحدة هامشياً.
بدأت الولايات المتحدة بالاشتباك مع العالم العربي للمرة الأولى في ثلاثينيات القرن العشرين عندما دعمت، بعد اكتشاف احتياطيات النفط الهائلة، الطغاة العرب والشاه في إيران. وبسبب دور وكالة المخابرات الأمريكية في الإطاحة بأول حكومة منتخبة في إيران وعقود من الدعم غير المشروط لـ«إسرائيل»، فقد انتهى بها الأمر إلى أن تكون في صدام تام وقطعي مع جل العالم العربي.
أما الاشتباك البريطاني والفرنسي مع العالم الإسلامي فيعود إلى ما قبل ذلك بكثير، إلى أيام الامبراطوريتين البريطانية والفرنسية. في بريطانيا، نجم عن حقبة ما بعد الاستعمار هجرة أعداد كبير جداً من المسلمين إلى المملكة المتحدة، حيث عاشوا إلى حد بعيد في حالة من الانسجام النسبي مع السكان الأصليين.
أما الفرنسيون فكان لابد أن يقتلعوا اقتلاعاً من إمبراطورتيهم.
كان من ثمار الحرب الأهلية الجزائرية الفظيعة هجرة أعداد هائلة من المستعمرين السابقين إلى بلدهم الأصلي، وهم الذين لم تزل رؤاهم اليمينية المتطرفة تسمم أجواء السياسة الفرنسية منذ ذلك الوقت.
ومع هؤلاء فر من الجزائر إلى فرنسا عدد كبير من أهل البلاد، من الجزائريين، ممن كانوا في خدمة النظام الاستعماري، مما نجم عنه نمو طبقة مستضعفة، ضخمة الحجم، فقيرة، بائسة وممقوتة، من المسلمين. ثم جاءت هجمات الحادي عشر من سبتمبر الإرهابية لتكون الشرارة التي أشعلت النيران في المرج.
عدو الغرب الجديد
تنبأ المفكر السياسي الأميركي البارز صموئيل هنتنجتون منذ وقت طويل بأن الفراغ الذي أحدثه انهيار الاتحاد السوفياتي سوف يملأه صدام الحضارات، وبشكل خاص بين الإسلام والغرب.
وكأنما جاء صعود القاعدة والهجوم على نيويورك وعلى البنتاغون ليكون بمثابة تحقيق لتلك النبوءة. إلا أن أوبورن يرى أن ذلك أبعد ما يكون عن الحقيقة، ويقول: “لم تعلن أي من البلدان الخمسين التي تقطنها أغلبية مسلمة الحرب على الولايات المتحدة، ولم نشاهد تشكل ائتلاف إسلامي.”
ثم يضيف قائلاً: «بل يرى كثير من المحللين في العالم العربي، ممن يُشهد لهم بالمصداقية، بأن الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية عن الظروف التي سمحت للجماعات الإرهابية مثل القاعدة بالازدهار – ولتنظيم الدولة بأن يوجد في المقام الأول – وذلك حينما غزت واحتلت العراق ودمرت مؤسسات الدولة فيه. وهنا كان لهنتنغتون قيمته الكبرى، حيث إن نظريته بأن العالم المتحضر يخوض حرباً ضد «الإسلام الراديكالي» هي التي زودت المجمع العسكري الصناعي الغربي بفكرة العدو العالمي والمنتظم ومتعدد الجنسيات. وذلك هو الذي ساعد في خلق الحروب وفي التحريض على الكراهية داخل الولايات المتحدة وفي أوساط حلفائها في مختلف أرجاء المعمورة».
يوثق واحد من أهم الفصول كيف أنه في فترة ما بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، داخل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة على حد سواء، سارعت مراكز البحث التابعة لليمين المسيحي ولتيار المحافظين الجدد والعاطلين من قدامى الحرب الباردة إلى ركوب موجة الرواية التي تتحدث عن علاقة الإسلام بالتطرف، وكثيراً ما كانت عواقب ذلك مأساوية.
أحد الأمثلة البسيطة على ذلك هو طاهر علم، المواطن البريطاني المفعم بالحماسة من أصول باكستانية، والذي، من خلال منصبه كرئيس لمجلس الإدارة، لعب دوراً رائداً في النهوض بإحدى المدارس الثانوية التي كانت فاشلة في بيرمنغهام.
تعرض هذا الرجل للتنديد والتشهير بناء على مزاعم غير صحيحة صدرت عن مجهولين يدعون وجود «عملية حصان طروادة»، وهي عبارة عن مؤامرة متوهمة، لا وجود لها في عالم الواقع، تفترض قيام مجموعة من المسلمين المتطرفين بالتخطيط «لأسلمة» المدارس المحلية. وأكثر ما يبعث على الأسى تلك السهولة التي تم بها الإيقاع بالعديد من الدوائر الحكومية والسياسيين ووسائل الإعلام، فانطلى عليهم الإفك المفترى.
يقول أوبورن إن الغرب بحاجة لإعادة التفكير في علاقاته بالإسلام، وذلك أن التحليل الغربي المعاصر تكتنفه أخطاء فكرية وأخلاقية، حيث «يتمثل الخلل الفكري في النظر إلى الإسلام من خلال الحرب الباردة».
ويضيف: «أما الخلل الأخلاقي فيتمثل في افتراض أن الغرب يخوض صراعاً وجودياً مع الإسلام «أو الإسلاموية»، كما كان حاله من قبل مع الاتحاد السوفياتي».
ويمضي ليقول: «كانت تلك الاستراتيجية بحد ذاتها خاطئة. كما أنها أضفت شرعية على حركات مثل تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة ، حيث لم تلبث هذه المجموعات تقول بأن الدعم الغربي للديمقراطية زائف. وبالفعل، لقد أكدت السياسة التي لم يزل الغرب ينتهجها منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر صحة التحليل الذي قدمته القاعدة. والصحيح هو أن الطرفين يزدريان الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون والإجراءات القضائية النزيهة. كلاهما، وإن بطرق مختلفة، يعتنقان المذهب الماركسي الذي يقول بأن الغاية تبرر الوسيلة، بما في ذلك اللجوء إلى الأساليب الهمجية مثل التعذيب واستهداف المدنيين».
حين يتعلق الأمر بالديمقراطية، تتحدث الحكومات الغربية بلسان متشعب. فعلى الرغم من أن قادتها يعبرون بانتظام عن حبهم للانتخابات الحرة ولحقوق الإنسان، إلا أنهم طالما تحالفوا – كما كان عليه الحال في زمن الحرب الباردة – مع الطغاة.
ومن أقرب الأمثلة على ذلك مصر.
فما أن فازت جماعة الإخوان المسلمين بالسلطة في عام 2012، فيما يمكن أن يعتبر أول انتخابات حرة ونزيهة في تاريخ مصر، حتى دقت نواقيس الخطر. ثم عندما قام الجيش المصري في نهاية المطاف بالإطاحة بالحكومة المنتخبة وسجن الرئيس وبدأ باعتقال وتعذيب وقتل أنصار الجماعة حتى التزم الغرب الصمت.
بل لقد استقبل الدكتاتور العسكري الجنرال عبد الفتاح السيسي بكل حفاوة في عواصم الغرب، واستمر تدفق السلاح والمساعدات. كيف يبدو ذلك في ظننا للإنسان المصري العادي الذي يسمع قادة الغرب يتشدقون بالحديث عن الديمقراطية والحرية؟
نصيحة عظيمة
إن هذا لعمل عظيم، يوثق للأحداث بدقة متناهية، وحرر بلغة جميلة وواضحة.
يخلص أوبورن إلى أنه لا يوجد سبب جوهري لكي تكون الأديان الثلاثة الكبرى في العالم – اليهودية والمسيحية والإسلام – في حرب ضد بعضها البعض. فأتباعها جميعاً يعبدون نفس الإله الذي عبده النبي إبراهيم الذي ورد ذكره في العهد القديم.
والأديان الثلاثة جميعها نشأت في الشرق الأوسط، وأتباعها يعظمون نفس الأماكن التاريخية المقدسة. بالطبع علينا أن نبدأ عند نقطة ما، ولكن إذا ما أخذنا بالاعتبار التاريخ الحديث، فلن يكون سهلاً إعادة المارد إلى القارورة.
لو كنت سأخالف المؤلف في تحليله، فإنني سأختلف معه في ميله نحو تحميل اللوم عن الوضع البائس في زمننا هذا للغرب بشكل كامل تقريباً. ما من شك في أن معظم اللوم يتحمله الغرب بالفعل، ولكن كيف لنا أن نفسر دورة العنف الطائفي الفظيع أو المذابح الانتقامية التي ترتكب شمال نيجيريا؟ جميع الأديان الكبرى تحمل داخلها فيروس التطرف.
كما أنني لا أتفق تماماً مع ذهابه إلى أن خطوط التصدع توجد بشكل كامل في تماس مع الغرب. صحيح أن معظمها كذلك، ولكن ثمة جوانب في ثقافة المسلمين تحتاج إلى المساءلة، ومنها على سبيل المثال الطريقة التي تعامل بها النساء والفتيات.
ثم كيف نفسر حقيقة أن أولئك الذين زرعوا القنابل في محطات قطارات الأنفاق في لندن أو الذين قتلوا النائب البرلماني دافيد إيميس كانوا مواطنين بريطانيين، ولدوا ونشأوا وترعرعوا في هذا البلد، وكانوا يتمتعون بكل المزايا التي تمنحها الحياة في المنظومة الديمقراطية الليبرالية المزدهرة؟
تعرفت ذات مرة على صحفي شهير عمل تقريباً في جميع الحروب وجبهات المعارك في حقبة ما بعد الحرب، وكان يقول: «كل يوم، أقوم وأحمد الله على أنني لم أكن يوماً خبيراً في شؤون الشرق الأوسط».
تلك بشكل عام هي مشاعري أيضاً. لقد قدم أوبورن خدمة عظيمة حينما ولج إلى حيث يخشى الولوج غيره من الصحفيين والمعلقين الذين يعملون في وسائل إعلام التيار العام – أو ربما لا يعبأون.
[ad_2]
التعليقات