
طلب دعم رعاية الأطفال للأمهات العاملات في السعودية تسعى المملكة العربية السعودية في ظل رؤية 2030 إلى دعم وتمكين المرأة السعودية في مختلف المجالات، ومن أبرز التحديات التي تواجه الأمهات العاملات هو التوفيق بين المسؤوليات المهنية وتربية الأطفال، ولذلك تم إطلاق العديد من المبادرات الحكومية التي تهدف إلى تخفيف العبء عن كاهل الأمهات من خلال تقديم دعم رعاية الأطفال، ما يسهم في زيادة استقرار الأسر السعودية وتحفيز مشاركة المرأة في سوق العمل دون القلق بشأن رعاية الأبناء في أثناء ساعات الدوام
ما هو برنامج دعم رعاية الأطفال للأمهات العاملات؟
برنامج دعم رعاية الأطفال هو مبادرة أطلقتها وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية في المملكة بالتعاون مع صندوق تنمية الموارد البشرية “هدف”، ويُعرف البرنامج باسم “قرة”. يهدف هذا البرنامج إلى دعم الأمهات العاملات في القطاع الخاص عبر المساهمة في تغطية تكاليف رعاية الأطفال في مراكز الحضانة المعتمدة خلال ساعات العمل، مما يساهم في تقليل معدل ترك الوظيفة بسبب عدم توفر رعاية مناسبة للأطفال ويُعتبر هذا البرنامج خطوة مهمة ضمن سلسلة من المبادرات لتمكين المرأة السعودية وزيادة مساهمتها في الاقتصاد الوطني من خلال توفير بيئة عمل داعمة وآمنة للأم العاملة
شروط استحقاق دعم رعاية الأطفال في السعودية
حتى تتمكن الأم العاملة من الاستفادة من برنامج “قرة”، هناك عدة شروط يجب توفرها، من بينها أن تكون الأم سعودية الجنسية وأن تكون موظفة في القطاع الخاص ومسجلة في التأمينات الاجتماعية براتب لا يتجاوز 8000 ريال سعودي كما يشترط أن يكون الطفل المُراد دعمه دون سن السادسة، وأن يتم تسجيله في مركز رعاية أطفال معتمد من وزارة التعليم أو الجهة المعنية كما يجب ألا تكون الأم قد استفادت من البرنامج مسبقًا لمدة تجاوزت الحد الأقصى المحدد، والذي يبلغ أربع سنوات دعم بحد أقصى لطفلين، حيث تتحمل الدولة جزءًا من التكلفة وفق آلية تصاعدية تقل تدريجيًا كل عام حتى يصل الدعم إلى نهايته
كيفية التقديم على دعم رعاية الأطفال
يمكن للأمهات العاملات التقديم على الدعم من خلال بوابة “قرة” الإلكترونية التابعة لصندوق تنمية الموارد البشرية “هدف”، حيث يجب تسجيل الدخول باستخدام حساب “نفاذ” ثم تعبئة البيانات الخاصة بالأم والطفل واختيار مركز الرعاية المناسب بعد التقديم، يتم مراجعة الطلب والتأكد من تطابق الشروط، وفي حال القبول يتم صرف الدعم بشكل شهري مباشر إلى مركز رعاية الطفل المعتمد ومن المهم التأكد من تحديث بيانات الطفل وبيئة العمل باستمرار لتفادي أي إيقاف مؤقت أو دائم للدعم
أهمية برنامج دعم رعاية الأطفال للأمهات العاملات
يساهم هذا البرنامج في تحقيق عدد من الأهداف الاجتماعية والاقتصادية في آنٍ واحد، فهو يعزز من استقرار الأسر السعودية من خلال منح الأمهات العاملات راحة نفسية وثقة بأن أطفالهن في أيدٍ أمينة كما يسهم في الحد من تسرب النساء من سوق العمل لأسباب تتعلق بالمسؤوليات العائلية وهو أمر كان شائعًا في السابق خاصة مع غياب مراكز رعاية قريبة أو ارتفاع تكاليف الحضانة من جهة أخرى فإن وجود دعم رسمي يحفز القطاع الخاص على الاستثمار في إنشاء مراكز حضانة أكثر جودة وتوزيعًا جغرافيًا، مما يزيد من فرص الأمهات للوصول إلى خدمات الرعاية بسهولة
طلب إصدار بدل فاقد لرخصة قيادة في السعودية
الفرق بين برنامج “قرة” وبرامج الدعم الأخرى
يُعد برنامج “قرة” مخصصًا لرعاية الأطفال للأمهات العاملات في القطاع الخاص فقط، ويختلف عن برامج أخرى مثل “حافز” أو “ساند” التي تُعنى بالدعم المالي للعاطلين عن العمل أو الموقوفين عن العمل بشكل مؤقت كما يختلف عن برامج الضمان الاجتماعي التي تستهدف الأسر الأشد احتياجًا من حيث الدخل بينما يستهدف “قرة” فئة معينة من النساء وهو الأم العاملة التي تسعى للحفاظ على وظيفتها وتوازنها الأسري ومن هنا تنبع أهميته في التركيز على نقطة التقاطع بين العمل وتربية الأطفال
تجارب واقعية لأمهات استفدن من دعم رعاية الأطفال
أظهرت الإحصائيات الأخيرة لصندوق “هدف” أن آلاف النساء استفدن من برنامج “قرة” خلال السنوات الماضية، وساهم البرنامج في استقرارهن المهني وتمكنهن من التدرج في السلم الوظيفي بل إن عددًا منهن أشار إلى أن هذا الدعم كان سببًا مباشرًا في استمرارهن في العمل خاصة في المدن الكبرى مثل الرياض وجدة والدمام حيث ترتفع تكاليف الحضانة كما نقلت بعض التجارب الموثقة أن وجود طفل في مركز معتمد ومرخص يزيد من شعور الأم بالاطمئنان، خاصة مع توفر أنشطة تعليمية وترفيهية تنمي قدرات الطفل في الوقت ذاته
التحديات التي تواجه البرنامج وسبل التطوير
رغم النجاح الكبير الذي حققه برنامج “قرة”، إلا أن هناك بعض التحديات التي لا بد من الإشارة إليها، من أبرزها قلة عدد مراكز رعاية الأطفال المعتمدة في بعض المناطق النائية أو الصغيرة، مما يجعل من الصعب على الأمهات الاستفادة من الدعم كما أن بعض الأمهات يعانين من ضعف الوعي بوجود البرنامج أصلاً أو من تعقيد إجراءات التسجيل والمتابعة ولذلك، فإن تطوير البرنامج يتطلب العمل على زيادة الوعي المجتمعي عبر الحملات الإعلامية، وتبسيط إجراءات التقديم، وزيادة التنسيق مع مراكز الرعاية لتسهيل قبول الأطفال ضمن شروط الدعم بالإضافة إلى رفع الحد الأعلى للراتب المستحق للدعم ليشمل فئات أوسع من النساء العاملات خاصة في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة
دور القطاع الخاص في تعزيز المبادرة
من المهم أن يواكب القطاع الخاص الجهود الحكومية من خلال توفير بيئة عمل صديقة للأسرة، مثل إنشاء حضانات داخلية أو تقديم تسهيلات للأمهات كدوام مرن أو جزئي كما يمكن للشركات تحفيز موظفاتها بالتعاون مع مراكز رعاية معتمدة وتغطية الفرق بين تكلفة الحضانة وقيمة الدعم الحكومي وذلك سينعكس إيجابيًا على إنتاجية الموظفات وولائهن المهني، كما يعزز من صورة الشركة المجتمعية
مستقبل دعم رعاية الأطفال في السعودية
يشهد مستقبل دعم رعاية الأطفال في السعودية تحولًا استراتيجيًا في إطار التوجهات الوطنية الهادفة إلى تعزيز جودة الحياة وتمكين المرأة السعودية اقتصاديًا واجتماعيًا، ومن المتوقع أن تشهد السنوات القادمة توسعًا كبيرًا في البرامج والمبادرات المرتبطة برعاية الأطفال، خاصة مع تزايد مشاركة الأمهات في سوق العمل وارتفاع الحاجة إلى حلول مرنة وعصرية تساعد الأسرة على التوازن بين العمل وتربية الأبناء، ويأتي هذا في سياق أهداف رؤية السعودية 2030 التي تركز على رفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل إلى مستويات غير مسبوقة وتحقيق التكامل بين متطلبات الحياة الأسرية والمهنية
من أبرز ملامح مستقبل هذا الدعم هو التوجه نحو رقمنة خدمات رعاية الأطفال، بحيث تتمكن الأمهات من التقديم على الدعم، ومتابعة حالة الطفل، وحجز المقاعد في مراكز الحضانة المعتمدة، عبر تطبيقات إلكترونية ذكية مرتبطة ببوابات حكومية موحدة، ما يساهم في تقليل الجهد والزمن، ويزيد من الشفافية ويُتوقع أن تدخل الذكاء الاصطناعي والتحليلات الذكية في تحديد أنسب مراكز الرعاية بناءً على موقع سكن الأم، والميزانية المتاحة، واحتياجات الطفل التعليمية والسلوكية، مما يحول تجربة الدعم من مجرد إعانة مالية إلى تجربة متكاملة تهدف لتحسين بيئة الطفل وجودة الرعاية المقدمة له
كما تشير التوجهات المستقبلية إلى توسيع نطاق المستفيدين من الدعم ليشمل الأمهات العاملات في القطاع الحكومي، أو أصحاب الأعمال الحرة، أو حتى الموظفات بدوام جزئي أو بنظام العمل المرن، وهو ما يفتح الباب أمام آلاف الأسر السعودية للاستفادة من هذه الخدمة الحيوية، ويقلل من معدلات انسحاب النساء من الوظائف بسبب ظروف تربية الأطفال، خاصة في الفترات العمرية الحرجة كمرحلة ما قبل التعليم الأساسي
ومن المتوقع أن يكون للقطاع الخاص دور جوهري في دعم وتطوير قطاع رعاية الأطفال في المملكة، من خلال شراكات استراتيجية مع الدولة لإنشاء حضانات داخل مقرات العمل أو بالقرب منها، إلى جانب برامج دعم مالي مشترك تغطي جزءًا من التكاليف غير المشمولة بالدعم الحكومي، وهو توجه بدأ بالفعل في بعض الشركات الكبرى التي باتت تدرك أن رعاية الطفل هي أحد أعمدة الاستقرار الوظيفي للأمهات كما سيجري مستقبلاً العمل على تحسين جودة مراكز الحضانة المعتمدة عبر وضع معايير موحدة ومعتمدة من الجهات المختصة، تشمل المناهج التربوية، ومستوى الأمان، ومؤهلات الكادر التعليمي، وبيئة التعلم، بما يضمن أن الدعم لا يقتصر على الكمّ، بل يمتد ليشمل النوعية العالية في الرعاية، بما يخدم تطور الطفل السلوكي والمعرفي والنفسي
أيضًا، سيتم التركيز في المرحلة القادمة على توفير مراكز حضانة مرخصة في المناطق الأقل خدمةً مثل القرى والمراكز النائية، وهو ما سيتحقق من خلال تقديم حوافز استثمارية للمبادرين بإنشاء دور رعاية في تلك المناطق، إضافة إلى دعم حكومي موجه لتغطية فارق التكلفة التشغيلية الناتج عن قلة الكثافة السكانية
ولعل أحد الاتجاهات المستقبلية المهمة هو دمج دعم رعاية الأطفال ضمن منظومة الحماية الاجتماعية المتكاملة بحيث يُنظر إلى الأم العاملة كجزء من نسيج اقتصادي واجتماعي يجب دعمه ليس فقط أثناء العمل، بل عبر مراحل حياة الأسرة كافة، من خلال ربط دعم الرعاية ببرامج الإسكان، والصحة، والتعليم المبكر، لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من كل المبادرات المتاحة
ايضا: تفسير حلم بناء منزل فوق البحر لابن سيرين وهل يدل على الخير أم الخطر؟
خاتمة
في ختام هذا المقال، يمكن القول إن دعم رعاية الأطفال للأمهات العاملات في السعودية لم يعد مجرد مبادرة عابرة أو دعم مؤقت، بل أصبح أحد الأعمدة الأساسية في بناء مجتمع متوازن يُقدّر دور المرأة ويمنحها الفرصة الحقيقية للمشاركة الفعّالة في التنمية الاقتصادية دون التضحية بدورها الأسري، ومن خلال برامج مثل “قرة” والتوجهات المستقبلية التي ترعاها رؤية المملكة 2030، أصبح بالإمكان التوفيق بين الحياة العملية ومتطلبات الأمومة بطريقة ذكية ومستدامة
إن توفير بيئة رعاية آمنة وذات جودة عالية للأطفال أثناء فترة عمل الأمهات لا يساهم فقط في استقرار الأسرة السعودية، بل يعزز من إنتاجية المرأة ويقلل من معدلات ترك الوظائف بسبب مسؤوليات الرعاية، وهو ما ينعكس إيجابيًا على سوق العمل وعلى النمو الاقتصادي بشكل عام كما أن تطوير هذه البرامج باستمرار، من خلال دمج التقنية، وتوسيع نطاق الفئات المستفيدة، وتحسين جودة مراكز الحضانة، يعكس وعيًا حكوميًا عميقًا بأن تمكين المرأة لا يكتمل إلا بدعم أسرتها ومساعدتها في تجاوز التحديات اليومية
ولأن الأطفال هم مستقبل الوطن، فإن رعايتهم في سن مبكرة عبر مراكز موثوقة وتحت إشراف الجهات المختصة، يسهم في بناء جيل يتمتع بصحة نفسية ومعرفية متوازنة، قادر على التعلم والاندماج المجتمعي منذ نعومة أظافره، وهذه استثمارات بعيدة المدى تؤتي ثمارها في كل قطاعات الدولة
من هنا، فإننا ندعو كل أم سعودية عاملة إلى الاستفادة من هذا النوع من البرامج وعدم التردد في التقديم، كما نحث القطاع الخاص على دعم هذه الجهود والمشاركة في إيجاد حلول واقعية ومرنة لرعاية الأطفال في بيئة العمل ومع تكاتف الجهود بين الحكومة والمجتمع والقطاع الخاص، يصبح مستقبل دعم رعاية الأطفال في السعودية أكثر إشراقًا واستدامة، وتصبح الأم السعودية أكثر قدرة على تحقيق طموحاتها المهنية دون أن تغيب عن أهم أدوارها الحياتية، وهي الأمومة
التعليقات