شهود على الشواهد -2- – صحيفة الاتحاد – صحيفة الصوت

خلال التجوال في مدن العالم، يصادف أحياناً احتفال مدينة بعيد من أعيادها، وأحياناً تتقصد السفر إلى مدينة بعينها، في وقت محدد، لأنك ترغب في مشاهدة طقوس عيدها المشهور، هذه الأعياد السنوية في المدن المختلفة، كثير منها قديم ومرتبط بحكايات وأساطير، وأخرى مرتهنة بحوادث تاريخية أو مرتبطة بتوقيتات دينية أو فلكية أو بمواسم الزرع والحصاد، فالزائر لبلدان وسط آسيا، والتي تمتد ثقافة بعضها ولغتها إلى أصل فارسي، تجد احتفالات عيد «النيروز» أو «النوروز»، ومعناه اليوم الجديد، ويأتي في الأسبوع الثالث من الشهر الثالث من السنة، وهو احتفال برأس السنة الفارسية والكردية، ويتواءم مع قدوم الربيع، وفي الهند هناك عيد مشابه له في الاحتفاء والزهو بالألوان عيد الألوان «هولي»، حيث يتم نثر الألوان التي تسمى «غولال»، احتماءً من أمير الشر الذي يجمع الناس في محرقة كبيرة، وفي سنغافورة النظيفة جداً، شهدت مرة، مع بداية الاحتفال بالسنة الصينية، عيد حرق النقود، حيث تسمح السلطات يومها للناس بتدنيس الشوارع، ورمي الأوساخ بحرق الأموال الورقية المقلدة، لجلب الحظ، وطرد الشر، من دون أي مخالفة، وفي جزيرة «بالي» حضرت احتفالاً غريباً، وهو «عيد الصمت»، حيث يقبع الناس في منازلهم للتأمل والتفكر والتدبر، وحرق تماثيل المعابد، ومن أجل احترام هذه المناسبة القمرية تجبر السلطات السياح الأجانب بالمكوث في الفنادق، وعدم إثارة أي ضجيج  حفاظاً على قدسية صمت السكان.
وفي مدينة «افنيون» الفرنسية هناك مهرجانها السنوي الذي بدأ مهرجاناً صغيراً يختص بعروض المسرح في فضاء المكان، ومع الوقت أصبح مهرجان «افنيون ديفوار»، مهرجاناً عالمياً، وخرج من إطار المسرح ليحضن كل الفنون، ويحتويها، ويقدمها في فضاء اللامكان، قد يمضي الإنسان أسبوعين من المتعة والبهرجة والثقافة، ورؤية الإبداع بمدارسه المختلفة والمجنونة، لكنه لن يندم، قدر ندمه، أنه لم ير هذه المدينة التي تتحرش بالإنسان، ولا تدعه يمر من دون أن ترى خربشة أظافره على جدرانها العتيقة!
وفي قرية صغيرة في جنوب غرب فرنسا تسمى «مونكرابو» شاهدت فيها مرة مهرجاناً لاختيار مهراجا الكذابين أو ملك الكذابين، كان يقام هذا المهرجان الظريف في جو صيفي آسر، كل شيء متاح للفرجة، وإرواء العطش، واستدعاء الضحكة، والتمتع بإجازة غير عادية، وإسكات الفضول والدهشة، مهرجان الكذب له شعار واحد، وقسم واحد، وهو عكس اليمين التي تحلف في المحاكم، فعوض أن تضع يدك على كتاب مقدس، تضع إصبعك تحت عينك، وتفتحها قليلاً، على طريقة الفرنسيين حين لا يصدقون حديثك، ويريدون أن يتهموك بأنك كاذب بطريقة دبلوماسية، هذا القسم يقول: اقسم باخفاء الحقيقة، كل الحقيقة، ولا شيء غير الحقيقة الكاذبة، التحكيم في هذه المنافسة عجيب، حيث تتكون لجنته من أربعين عضواً بينهم رجال ونساء، ويعبر كل عضو لجنة التحكيم عن رأيه في كذبة الكذاب، بسكب ما بين ملعقة وعشر ملاعق من الملح في كيس بين يديه، ويتم تتويج صاحب الكيس الأكثر وزناً، ملكاً للكذابين أو ما تنص عليه الترجمة الحرفية «المصحح الأكبر لكل الحقائق» وفي ختام التتويج يمنح الملك شهادة تعطيه الحق كل الحق في الكذب من دون أن يتعرض لأي عقاب أومساءلة!

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *