
خدمات دعم المرأة العاملة في الكويت في السنوات الأخيرة شهدت الكويت تطورًا كبيرًا في مجالات تمكين المرأة العاملة ودعمها على مختلف الأصعدة، حيث أدركت الدولة أهمية دور المرأة في سوق العمل، ليس فقط من منطلق المساواة بين الجنسين، بل باعتبارها شريكًا فاعلًا في التنمية المستدامة والتقدم الاقتصادي والاجتماعي، وقد تم إطلاق العديد من البرامج والمبادرات الهادفة إلى دعم المرأة العاملة، سواء في القطاع الحكومي أو الخاص، بما يضمن تحقيق التوازن بين حياتها المهنية والعائلية
البيئة التشريعية الداعمة للمرأة العاملة في الكويت
تعتبر البيئة القانونية في الكويت من أبرز عناصر الدعم الموجهة للمرأة العاملة، حيث تم تعديل العديد من القوانين لتتلاءم مع متطلبات المرأة وأسرتها، مثل قانون العمل في القطاع الأهلي رقم 6 لسنة 2010، الذي يمنح المرأة إجازة وضع مدفوعة الأجر تصل إلى 70 يومًا، إضافة إلى حقها في الحصول على ساعتين رضاعة يوميًا بعد الولادة، ويشمل الدعم القانوني أيضًا حظر فصل المرأة الحامل من العمل، ومنحها الحماية القانونية ضد التمييز على أساس الجنس أو الحالة الاجتماعية، كما شجعت الحكومة توظيف النساء في مختلف المهن، حتى تلك التي كانت تقليديًا حكرًا على الرجال
المؤسسات الحكومية الداعمة للمرأة العاملة
وفرت الحكومة الكويتية عبر العديد من مؤسساتها خدمات حقيقية للمرأة العاملة، يأتي في مقدمتها برنامج إعادة هيكلة القوى العاملة والجهاز التنفيذي للدولة الذي يقدم دعمًا ماليًا وتدريبيًا للنساء العاملات في القطاع الخاص، بهدف تعزيز فرصهن المهنية وزيادة مشاركتهن في الاقتصاد، كما يقدم ديوان الخدمة المدنية تسهيلات للموظفات الحكوميات، منها نظام الدوام المرن والعمل عن بعد في بعض الجهات، خاصة في حال وجود ظروف صحية أو أسرية، إضافة إلى وزارة الشؤون الاجتماعية التي تشرف على الحضانات الحكومية وشبه الحكومية التي توفر الرعاية لأبناء الموظفات
دور الجمعيات والمنظمات النسائية في دعم المرأة العاملة
برزت في الكويت العديد من الجمعيات والمبادرات النسائية التي تقدم خدمات مباشرة وغير مباشرة للمرأة العاملة، مثل جمعية الخريجين الكويتيين التي تنظم ورش عمل مهنية وتدريبية، وتوفر فرص التشبيك بين النساء في مختلف القطاعات، وهناك أيضًا رابطة المرأة الكويتية التي تعمل على رفع الوعي القانوني والمهني للنساء، وتدافع عن حقوقهن في بيئة العمل، فضلًا عن تنظيم الحملات الاجتماعية التي تروج لقضايا المرأة وتدعم مشاركتها الفعالة في الحياة الاقتصادية والسياسية، وقد أثمر هذا التعاون بين المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني في تعزيز حضور المرأة في مواقع القيادة
برامج التدريب والتطوير المهني للنساء في الكويت
تولي الكويت أهمية كبرى لتأهيل المرأة علميًا ومهنيًا، إيمانًا بأن التمكين الحقيقي يبدأ من المعرفة، ولذلك تم إطلاق العديد من المبادرات الحكومية والخاصة التي تستهدف النساء الطموحات، منها برامج تدريب مقدمة من الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب التي توفر تخصصات مرنة تلائم سوق العمل، إضافة إلى دورات في ريادة الأعمال، الإدارة، والتكنولوجيا الحديثة، كما تقدم بعض البنوك الكويتية برامج خاصة للنساء، مثل برنامج تمكين المرأة من بنك الكويت الوطني الذي يشمل دورات في القيادة والمالية وإدارة الأعمال، ويُعد هذا النوع من الاستثمار في المرأة دافعًا رئيسيًا لاستمرارها في العمل وتحقيق النجاح
رعاية الأم العاملة: الحضانات والدعم الأسري
من التحديات الكبرى التي تواجه المرأة العاملة في الكويت مسألة رعاية الأبناء خلال ساعات العمل، وقد بادرت الدولة والقطاع الخاص لتقديم حلول عملية لهذه المشكلة، حيث تم إنشاء حضانات داخل بعض الجهات الحكومية والشركات الكبرى، مما يتيح للموظفات متابعة أطفالهن عن قرب، كما توفر العديد من الجهات نظام ساعات العمل الجزئي أو المرن للأمهات، إضافة إلى منح إجازات خاصة في الحالات الطارئة، وقد ساعد ذلك في تقليل معدل ترك النساء للعمل بعد الإنجاب، ورفع نسبة الاستقرار الوظيفي لهن، كما شجعت الدولة القطاع الخاص على إنشاء حضانات داخلية من خلال تقديم إعفاءات ضريبية ومزايا أخرى
الدعم المالي والمادي للمرأة في القطاع الخاص
وفرت الكويت عددًا من الحوافز المالية التي تشجع المرأة على العمل في القطاع الخاص، ومنها دعم الرواتب المقدم من قبل برنامج دعم العمالة الوطنية، حيث تحصل المرأة على دعم شهري يُضاف إلى راتبها الأصلي إذا كانت تعمل في شركة محلية، كما يشمل الدعم مساعدات لتكاليف المواصلات، وتوفير برامج تدريبية ممولة بالكامل، وهناك أيضًا مبادرات لدعم النساء الراغبات في تأسيس مشاريع خاصة بهن، مثل ما يقدمه الصندوق الوطني لرعاية وتنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة الذي يوفر تمويلًا يصل إلى 500 ألف دينار كويتي بشروط ميسرة
التوازن بين الحياة المهنية والأسرية للمرأة العاملة
تحرص الكويت على ضمان التوازن بين مسؤوليات العمل والحياة الشخصية للمرأة، وقد ظهر ذلك في السياسات التي تم تبنيها مثل العمل الجزئي، الدوام المرن، والعمل عن بُعد، إضافة إلى الإجازات العائلية المدفوعة، كما يشجع الإعلام الكويتي هذه الفكرة من خلال حملات توعوية تؤكد على أهمية دعم الأسرة للمرأة العاملة، ومشاركة الرجل في المسؤوليات المنزلية والتربوية، وهناك توجه واضح نحو دعم الأسرة المتكاملة كحل استراتيجي يضمن استمرارية المرأة في العمل دون التضحية بحياتها الأسرية، وقد ساعدت هذه السياسات على تقليل الضغوط النفسية وتحقيق رفاه وظيفي أعلى للنساء
المرأة الكويتية في المناصب القيادية
تزايد حضور المرأة الكويتية في المناصب القيادية في السنوات الأخيرة، وأصبحت جزءًا فاعلًا في صناعة القرار، سواء في القطاع العام أو الخاص، حيث تولت نساء مناصب وزارية وقيادية في الشركات الكبرى، وهو ما يعكس التغير الإيجابي في النظرة المجتمعية لدور المرأة القيادي، وقد لعبت سياسات التمكين دورًا محوريًا في هذا الإنجاز، خاصة مع تخصيص برامج لتأهيل القيادات النسائية وتمكينهن من خوض المنافسة على أسس عادلة، كما ساهمت التجارب الناجحة لنساء كويتيات في تحفيز الأخريات على مواصلة المسيرة وتحقيق طموحاتهن
مبادرة الكويت لتأهيل المقبلين على الزواج
تحديات تواجه المرأة العاملة في الكويت
رغم ما حققته الكويت من خطوات ملموسة في دعم المرأة العاملة وتمكينها على مستوى السياسات والتشريعات إلا أن هناك تحديات متجذرة ما زالت تعيق وصولها الكامل إلى العدالة المهنية والاستقرار الوظيفي وهذه التحديات لا تتعلق فقط بالتمييز الظاهر بل تمتد لتشمل الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والنفسية التي تعاني منها كثير من النساء في بيئة العمل
أحد أبرز التحديات التي تواجه المرأة العاملة في الكويت هو التمييز في الأجور فرغم وجود قوانين تؤكد على المساواة بين الجنسين في الراتب إلا أن الواقع يشير إلى وجود فجوة ملحوظة في بعض القطاعات حيث تتقاضى النساء أجوراً أقل من نظرائهن الذكور في المناصب ذاتها لا سيما في القطاع الخاص وهذا ما يؤثر سلباً على شعور المرأة بالعدالة ويحد من دافعها للاستمرار أو التطور في السلم الوظيفي
تواجه المرأة أيضاً صعوبة في الترقّي إلى المناصب القيادية رغم كفاءتها وخبرتها وذلك بسبب ثقافة مؤسسية في بعض الجهات لا تزال تفضل الرجل في مراكز القرار وتربط القيادة بصفات ذكورية في حين يتم تهميش المهارات القيادية التي تمتلكها المرأة ويجري اختزال دورها في المهام التنفيذية أو الإدارية البسيطة
أما على الصعيد الاجتماعي فإن الضغوط الأسرية تمثل عائقاً رئيسياً أمام المرأة العاملة حيث يُنتظر منها القيام بدور مزدوج كموظفة ناجحة وربة منزل مثالية مما يضعها تحت ضغط نفسي مستمر خاصة في حال غياب الدعم من الزوج أو الأسرة الممتدة وهذا يؤثر على توازنها الشخصي والمهني ويؤدي في كثير من الأحيان إلى اتخاذ قرار الانسحاب من سوق العمل
كما أن هناك قلة في خيارات رعاية الأطفال داخل مقار العمل وهو تحدٍ مزمن يدفع بعض النساء إلى ترك وظائفهن بعد الإنجاب أو البحث عن عمل مرن براتب أقل لمجرد التوفيق بين الأمومة والعمل وغياب الحضانات المؤسسية أو ارتفاع تكلفتها يُعد من أكثر العراقيل التي تواجه المرأة في سنواتها المهنية الأولى
تعاني بعض النساء أيضاً من التحرش اللفظي أو السلوكي في بيئات العمل دون وجود قنوات واضحة للإبلاغ أو حماية فعالة من المؤسسة وهو ما يجعل العديد منهن يتجنبن التحدث عن الأمر خوفاً من فقدان الوظيفة أو التعرض للتهميش وهذه القضية الحساسة تتطلب تشريعات أكثر صرامة وتطبيق فعلي على أرض الواقع يضمن بيئة عمل آمنة ومحترمة
من التحديات الحديثة التي تواجه المرأة الكويتية كذلك هو القصور في برامج التدريب المتخصصة التي تراعي خصوصية مسارها المهني حيث تتركز أغلب الدورات على مفاهيم عامة دون توفير برامج قيادية موجهة أو تدريبات عملية تدعمها في التقدّم الوظيفي ويؤثر ذلك على جاهزيتها للمنافسة على المناصب المتقدمة
ولا يمكن تجاهل التحدي الثقافي المتمثل في الصورة النمطية السائدة عن المرأة العاملة إذ ما تزال بعض العقليات تنظر إليها باعتبارها غير قادرة على الجمع بين العمل والمسؤوليات الأسرية أو أنها غير مناسبة للمهام التي تتطلب جهدًا ميدانيًا أو سفرًا متكررًا مما ينعكس على تقييمها داخل بيئة العمل ويقيّد حركتها المهنية
أضف إلى ذلك أن بعض النساء يواجهن ضعفًا في الدعم المؤسسي مثل غياب سياسات واضحة للتوازن بين العمل والحياة مثل نظام العمل المرن أو إمكانية العمل عن بعد خصوصًا في الحالات الصحية أو الطارئة مما يصعب عليهن الاستمرار في أداء واجباتهن بدون خسائر شخصية
ورغم التشريعات فإن تطبيق بعض الحقوق القانونية للمرأة لا يزال يعاني من البيروقراطية أو التأخير مما يجعل بعض النساء يتنازلن عن حقهن في الإجازات أو المزايا المقررة قانوناً بسبب صعوبة الإجراءات أو خوفهن من المساس باستقرارهن الوظيفي
ايضا: تفسير حلم أكل طعام بلا طعم لابن سيرين: أسرار نفسية ودلالات قد تصدمك
خاتمة
في ختام هذا المقال حول خدمات دعم المرأة العاملة في الكويت يتضح أن الدولة قد قطعت شوطًا مهمًا نحو بناء بيئة عمل أكثر عدالة ومرونة للنساء، سواء من خلال التشريعات الحديثة التي تحمي حقوق المرأة، أو عبر المبادرات الحكومية والخاصة التي تهدف إلى تعزيز دورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. لقد أصبح تمكين المرأة العاملة اليوم ليس مجرد خيار، بل ضرورة وطنية واستراتيجية تنموية تُسهم في خلق اقتصاد أكثر توازنًا واستدامة. ومع أن المرأة الكويتية استطاعت أن تثبت كفاءتها وجدارتها في مختلف القطاعات، إلا أن الطريق نحو تمكين كامل لا يزال بحاجة إلى استمرار الدعم، وإزالة العقبات المتبقية التي قد تعيق مشاركتها الفاعلة، سواء كانت تلك العقبات قانونية أو اجتماعية أو ثقافية.
من المهم أن يتم العمل على تفعيل القوانين وتحديثها بما يتماشى مع متطلبات المرأة العاملة في العصر الحديث، وتوسيع برامج الدعم النفسي والاجتماعي، وتعزيز التوعية المجتمعية بأهمية المساواة في الفرص والحقوق داخل بيئة العمل. كما أن تشجيع النساء على تولي المناصب القيادية، وتوفير فرص متساوية في التدريب والتطوير، وتوسيع خدمات رعاية الأطفال والدوام المرن، سيُحدث تأثيرًا إيجابيًا ملموسًا على استقرار المرأة العاملة وزيادة إنتاجيتها.
إن الاستثمار في المرأة العاملة لا يعود بالنفع على الأفراد فقط، بل ينعكس على المجتمع بأكمله. فكل امرأة تتمكن من العمل بكرامة وكفاءة، تُسهم في بناء جيل جديد أكثر وعيًا، واقتصاد أكثر تنوعًا، ومجتمع أكثر عدالة. ومن هذا المنطلق، فإن مستقبل المرأة العاملة في الكويت يحمل آفاقًا واسعة وفرصًا واعدة، شرط أن نستمر جميعًا، مؤسسات وأفرادًا، في تعزيز هذا التوجه ودعمه بشكل عملي ومستدام.
التعليقات