أحمد خاطر يكتب : فلسطين التي تراجعت في قلوب العرب بعد أن أعلنوا ربيعهم!

مرّ العدوان الأخير على قطاع غزة -والذي راح ضحيته 35 شهيداً- دون أن يلقى صدى التعاطف المتوقع بين الشعوب العربية، بل كان وكأنه تصعيد منعزل عن محيطه العربي رغم فداحة الجرائم التي ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي بطائراته منذ 12 وحتى 14 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري.فقد برزت بضع لافتات وشموع فقط من أجل غزة، رفعها متظاهرون في لبنان والعراق خلال المظاهرات اليومية في هذين البلدين، دون أن يكون هناك توجه شعبي للاحتجاج على جرائم الاحتلال الإسرائيلي في القطاع. لقد بلغ هذا التضامن أقصى قوته خلال حرب 2008 و2009 حين خرج الآلاف في مظاهرات تدعم غزة، إلا أن هذا التضامن الآن بقي ذكريات! فقد انتهى مع أن العدوان لم ينتهِ؛ بل تكرر في حرب 2012 و2014، وفي 2019، وكاد ألا يتحرك أحد.غابت فلسطين عن الاهتمام والدعم الشعبي وعن الإعلام، بينما يعيش الربيع العربي ألَقَه منذ أن بدأ في 2010 وحتى تجدده مؤخراً في السودان والجزائر ثم العراق ولبنان، فهو يحصل على كل اهتمام، ويبدو موضوعاً فَتياً مثيراً للاهتمام أمام صراع بلغ من العُمر عتياً، حيث لم تعد القضية الفلسطينية تثير اهتمام أحد.ربما يكون عامل المفاجآت جاذباً كبيراً لاهتمام الجماهير، إذ لم يتوقع أحد أن المظاهرات في السودان والجزائر ستنتهي بإسقاط رأسيْ النظاميْن الحاكميْن، بعد أن عانى الربيع من يباس طويل ومن نجاح الثورات المضادة، إلا أن بذوره أثبتت أنها لا تزال قادرة على أن تتسرب من بين أشد القبضات لتنمو من جديد.وفي نظرة سريعة إلى نهايات الربيع العربي في الدول العربية؛ تكتشف أن الدول التي واجه نظامُها السياسي الثوراتِ بقمع وقتل واسعيْن لا تزال عالقة في لحظة التغيير كما هي الحال في سوريا واليمن وليبيا، أما التي شهدت عنفاً أقل وطأة فقد كانت أسرع في التغيير كمصر وتونس ومؤخراً الجزائر والسودان، وجميعها بقيت مرتهنة لإرادات العسكر الذين نجحوا في السيطرة على الحياة السياسية بمصر والجزائر، ولكن لم يفعلوا في تونس والسودان.غياب فلسطين عن “الربيع”لا يمكن نسيان أن الانتقال إلى أنظمة ديمقراطية يزعج إسرائيل بل يرعبها، لكون الثورات تجعل موقف الشارع أكبر وزنا في حسابات الأنظمة التي كانت قد أتمت “اتفاقات السلام” معها، وكان وزير الجبهة الداخلية الإسرائيلية إيال إيزنبرغ حذر مما أسماه “الربيع العربي الذي قد يتحول إلى شتاء إسلامي متطرف”.ومن هنا كانت إسرائيل حريصة على أن تُشغل فلسطين بالعدوان، وتُغرقها في الانتهاكات المتكررة للأقصى بالقدس وبناء المستوطنات والانقسام السياسي الداخلي، كي لا تلحق بركب الربيع السياسي والتغيير الاجتماعي.”لا يمكن نسيان أن الانتقال إلى أنظمة ديمقراطية يزعج إسرائيل بل يرعبها، لكون الثورات تجعل موقف الشارع أكبر وزنا في حسابات الأنظمة التي كانت قد أتمت “اتفاقات السلام” معها، وكان وزير الجبهة الداخلية الإسرائيلية إيال إيزنبرغ حذر مما أسماه “الربيع العربي الذي قد يتحول إلى شتاء إسلامي متطرف”. ومن هنا كانت إسرائيل حريصة على أن تُشغل فلسطين بالعدوان”وبالفعل لم يحضر الربيع في فلسطين على مدى السنوات الماضية إلا قليلاً، كذلك لم تكن فلسطين حاضرة في صلب الربيع العربي، فالنظام العربي المقيدة أكثرية دوله بعلاقات تبعية سياسية واقتصادية وأمنية، أراد الانفكاك المباشر والصريح عن القضية الفلسطينية، والتي بدورها لم تكن أولوية لدى المنتفضين المكبَّلين بأشد أنواع قيود الاستبداد.ربما أراد المنتفضون الانعتاق أولاً وانتزاع الحريات والديمقراطية وتحسين سبل العيش والانفكاك من علاقات التبعية، وبعدئذ يكون دعم فلسطين تحصيل حاصل. وهذا يعد منطقياً خاصة أن أكثر ما كان يخشاه الإسرائيليون والأميركان وبعض الدول العربية؛ هو إعادة ربط النضال التحرري العربي بالتحرر الفلسطيني، والانتقال من أنظمة مستبدة دكتاتورية إلى أنظمة ديمقراطية.وإذا أردنا البحث عن المشترك في مهمات التحرر الفلسطيني والعربي فإن النضال العربي ضد علاقات التبعية السياسية والاقتصادية والأمنية، وضد أنظمة مستبدة، لا يستقيم بدون النضال ضد الكولونيالية الإسرائيلية واحتلالها العسكري المزمن، الذي يعزز علاقات التبعية وينحاز إلى الأنظمة المستبدة.هنا يلتقي النضال العربي والفلسطيني عند مهمة إنهاء الاحتلال للأراضي الفلسطينية، والانعتاق من علاقات التبعية وقبضة نظام الاستبداد. فعندما يتراجع الاحتلال والاستبداد تتراجع علاقات التبعية، وإذا دققنا في عنصر الالتقاء بين النضالين العربي والفلسطيني فسنجد مستوى عميقا من الترابط بين المهمات بعيدا عن الافتراق الشكلي.ولهذا؛ فإن مهمة المستوى الثقافي والأكاديمي العربي والفلسطيني هي إعادة التعريف بالمصالح والمهام المشتركة الفلسطينية العربية، التي ظلت أسيرة المفاهيم القومية والليبرالية واليسارية الوحيدة الجانب. أهداف تختصر التغيير الحقيقي المأمول من الربيع العربي في طول وعرض المنطقة، إزاء ذلك الحلف غير المقدس (الإمارات وأخواتها) الحريص على منع نجاح الثورات بأي ثمن، مما دفعهم لدعم الثورة المضادة التي كان العسكر بطلها بامتياز، وتمكن الحلف بكل ما أوتي من أموالٍ وقوةِ تدخلٍ من إعادة الحياة للأنظمة المستبدة المتداعية.أما فلسطين ذاتها فلم تشهد ربيعها الخاص وتراجعت إلى ذيل الاهتمام العربي، حتى مع انهيار أحلام الشعوب العربية التي خرجت في احتجاجات مليونية عام 2011، ثم عودتها إلى خانة الدكتاتورية والفقر والظلم والحاجة من جديد.لقد أصبحت قضايا فلسطين التي كانت يوماً مقدسة -كالاعتداء على القدس وقتل الأطفال في غزة- بعيدةً عن ذاك التعاطف والدعم، الذي لازم القضية طوال الثمانينيات والتسعينيات وبداية الألفية الثانية مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية.هل تراجعت في القلوب؟إذن لم تعد فلسطين أيقونة العرب، وانتهى زمن تلك الرومانسيات القومية إلا في عيون قلائل من اليساريين؛ فبالبرودة تستقبل الشعوب العربية أي عدوان إسرائيلي على قطاع غزة.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *